كنت ولفترة طويلة أتابع برنامج الاتجاه المعاكس الغني عن التعريف.. وتمضي الساعة وكأنها دقائق في فوضى صراخ متبادل كان يسيطر على الحلقة غالباً. بعد انتهاء هذه المناظرة الشرسة وعرض الأفكار من الضيفين المتصارعين لا تجد أي تغيير في فكر أي منهما، بل ربما على العكس، مزيداً من التعنت والدفاع المستميت عن الأفكار.. وقد يتبين لك هذا في لقاءات أخرى مع الضيوف أنفسهم في وسائل الإعلام.
هذا في مجال الفكر والسياسة فكيف إذا كان هذا في مجال المعتقد الديني؟
في مناهج التعليم السوري يوجد كتابان لتعليم الدين: التربية الإسلامية والتربية المسيحية.
وفي الصف المختلط يخرج الطلاب الأقل ليأخذوا درسهم في صف آخر فارغ، ولكن ماذا عن الطوائف الأخرى التي هي
في مناهج التعليم السوري يوجد كتابان لتعليم الدين: التربية الإسلامية والتربية المسيحية.
وفي الصف المختلط يخرج الطلاب الأقل ليأخذوا درسهم في صف آخر فارغ، ولكن ماذا عن الطوائف الأخرى التي هي
ليست مسيحية ويدرس طلابها التربية الإسلامية كالعلويين والدروز..
تحضرني هنا قصة من أيام الخدمة في الجيش وكنا في دورة أغرار توافقت مع شهر رمضان.
أمام المطعم كنا نصطف جميعنا قبيل المغرب للفطور أو العشاء سألني أحدهم وكان درزياً هل أنت صائم فقلت: طبعاً.
فقال: ماذا تقولون الآن عند إفطاركم؟
فاستغربت السؤال من شخص متعلم .. فأجبته مازحاً - وقد صار بيني وبينه معرفة- نقول ( .. على كل من لا يصوم )
فاستغربت السؤال من شخص متعلم .. فأجبته مازحاً - وقد صار بيني وبينه معرفة- نقول ( .. على كل من لا يصوم )
فضحك، ولكنه أصرّ على سؤاله فشرحت له.
الشاهد في القصة أنه وعلى فرض أُعطِيَت مادة التربية الإسلامية على أصولها في المدارس للطوائف الأخرى
فهي لم ولن تغير أي شيء من عقيدتهم التي يرضعونها مع الحليب..
ويأتيك أغبياء يركبون سيارة كما تفعل سيارات البيع والشراء يعرضون الدين - الذي لا يقدر بثمن -
يعرضونه بثمن بخس مستخدمين مكبرات الصوت التي لا تنتج إلا الضجيج والفوضى وعدم الفهم حتى للمسلم،
فالحديث لا يصل كاملاً بل مبتوراً عندما تولي السيارة في طريقها.
والنتيجة استجرار المسبات التي يجب أن يتحمل وزرها ليس فقط من في السيارة بل وزارة الداخلية أيضاً.
وأرى أن هذا العمل لا يخرج إلا عن :
1- جهل هؤلاء في الدعوة الحق.
2- المناكفة مع الآخرين في نشوة انتصار الثورة وكأنها ثورة دين إسلامي محض ضد المعتقدات الأخرى.
3- فرصة للتسكع بالسيارة في الشوارع والحارات.
ولم أجد لهذا توصيفاً سوى أنه جريمة:
1- ( { ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ
بِمَن ضَلَّ عَن سَبيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدينَ }[ النحل: ١٢٥ ]
فأين الحكمة والموعظة الحسنة في هذا الأسلوب التجاري المتخلف وأين المجادلة بالتي هي أحسن
والتي تحتاج إلى مراكز بحثية وأفكار ناضجة وأساليب عصرية واعية.
{ فَبِما رَحمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظًّا غَليظَ القَلبِ لَانفَضّوا مِن حَولِكَ فَاعفُ عَنهُم وَاستَغفِر لَهُم
وَشاوِرهُم فِي الأَمرِ فَإِذا عَزَمتَ فَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلينَ }[ آل عمران: ١٥٩ ]
أين الأسلوب الراقي والحضاري الناعم، والذي يكون من خلال الإعلام والمراكز الثقافية ونشر الكتب
المجانية والمعاملة الحسنة والقدوة.
2- انطلاق الثورة كان ضد الظلم والتسلط بكافة أنواعه وأشكاله ولحفظ كرامة وحرية الإنسان السوري
وإقامة العدل.
3- في التسكع هدر للمال العام وإثارة الحساسيات والمشاكل.
فالدولة لا تقوم إلا بالقانون ولنا بديننا الحنيف الأسوة والقدوة والدستور فهو قانون (أوامر ونواهي).
وأعتقد أننا في سورية بعد هذه السنين الطويلة من الحرب والعسكرة وقعقعة السلاح بحاجة ماسة إلى ثورة فكرية
حقيقية لتنقية ما علق بأذهاننا من شوائب وعادات قبلية وعشائرية جاهلية، ونكون على قدر المسؤولية في بناء
دولتنا الجديدة، والتي نحلم أن تكون كماليزيا أو سنغافورة وإلا ضاعت وضعنا في أتون مخلفات الخوارج
ومصطلحاتهم المشيخية التي تبني مجدها على ذقون ولحى مزيفة ألصقت على عجل أسفل رؤوس فارغة.
فالدولة ودوائرها ومؤسساتها وجيشها لها مصطلحاتها وتسمياتها الخاصة بها، فهناك مدير ومسؤول وموظف
ورئيس قسم، وضابط برتبة، ومحامي وقاضي ودكتور ومهندس وطبيب وطالب وعنصر أمن .. ولن تجد
تسمية الشيخ إلا في أماكن أخرى غنية عن التعريف، وكل أولئك يخضعون إلى الدولة وقوانينها.