في عام 2014 نشر الباحث السوري هاشم عثمان الجزء الثاني من كتابه (تاريخ سورية الحديث) وخصصه لعهد حافظ الأسد.
حاول هاشم عثمان أن يظهر شيئاً من الموضوعية فعدّد سلبيات حكم حافظ الأسد، بعد أن أسبغ عليه صفات القيادة والحنكة والصبر، وحشد لذلك شهادات القادة والسياسيين، وسرد مكرماته مع أهل الفكر والأدب.
ولا تتجلى سلبيات حكم حافظ الأسد -برأي هاشم عثمان- في الحكم القمعي والمجازر وتعليق المشانق في المعتقلات، فهذه ليس لها ذكر في كتابه التوثيقي، ولكنها تنحصر في المظاهر التالية: (ونحن ننقلها كما جاءت في كتابه)
"1 - الفساد
على الرغم من أن الفساد ظاهرة عالمية، تتحدث عنها صحف ومجلات العالم، صباح مساء، في هذا البلد أو ذاك، وأن كلمة فساد غدت أشهر كلمة يتداولها الناس في أربع أنحاء الكرة الأرضية، ولا ينافسها سوى كلمة تطرف، فإن الفساد، في ظل حكم البعث، كان مرضاً نخرت جرثومته إدارات الدولة ووزاراتها ومؤسساتها كافة. كما أنه انتشر في أجهزة الأمن، ومؤسسة الجيش.
وصار معظم قادة الأمن والجيش رعاة لأعمال خاصة، وشركاء فيها يأخذون عمولات على العقود المبرمة بين الدولة والموردين.
وكان المسؤولون من وزراء وقياديين حزبيين ورؤساء دوائر، هم رؤوس الفساد. عن طريق الفساد أصبحوا من أصحاب الملايين، ومن ساكني القصور، ومالكي العقارات والأطيان، ما جعل الناس يترحمون على الإقطاعيين القدماء ألف مرة.
2 - ظاهرة المرافقين
صار لكل مسؤول حزبي أو عسكري، عدد من المرافقين مع سياراتهم، ولا عمل لهؤلاء سوى مرافقة المسؤول، ومرافقة أولاده وأهل بيته، ولم تعرف سورية هذه الظاهرة إلا في عهد البعث.
3- ظاهرة المرسيدس
على الرغم من الأزمات الاقتصادية التي مرت بها سورية في السبعينيات والثمانينيات، وفقدان مواد تموينية ضرورية كثيرة من الأسواق المحلية، استوردت الدولة أعداداً كبيرة من سيارات المرسيدس، دفعت ثمنها نقداً، ووزعتها على المسؤولين الحزبيين والعسكريين، فكان نصيب الواحد منهم أكثر من سيارة، لخدمته وخدمة عائلته وأقاربه، وصار مرأى ابنة الضابط أو زوجته وهي تقود سيارة تحمل لوحة عسكرية، من المناظر المألوفة جداً. وأطلق الناس على حزب البعث من باب التندر، "حزب المرسيدس".
4- ظاهرة أبناء المسؤولين
تفشت هذه الظاهرة بصورة كبيرة، وشملت كما ذكر أحد الصحافيين كل ما هو تجارة بلا خسارة، أو كل ما هو مشاريع مضمونة الربح يحصل عليها الأنجال المحظوظون بآبائهم، باستخدام ذلك الخط الرفيع الذي يضع المسؤول وسلطاته، في خدمة أنجاله .
وهذه الظاهرة تجتاز الحدود لتصل إلى أبعد، فهي مستفيدة من علاقة آبائهم المسؤولين بأصدقائهم المسؤولين أيضاً. وينشأ من تلك الشبكة الشديدة التعقيد والخطر ما يشبه المافيا الاقتصادية.
وأبناء المسؤولين، أكلوا أخضر الاقتصاد ويابسه مدعومين من آبائهم، أو عبر أصدقاء آبائهم، من الحكام المقاولين. وقد نسجوا معهم شبكة من العلاقات المريبة يتداخل فيها ما هو خاص بما هو عام، حتى لم يعد أحد يعرف خاصهم من عام المجتمع. ولا الحدود بين مالهم ومال الآخرين.
ولم يتورع أبناء المسؤولين عن تعاطي كل المحرمات والممنوعات، بما في ذلك إدخال النفايات النووية إلى البلاد لتدفن في صحراء تدمر وغيرها من الأماكن، أو استيراد اللحوم الفاسدة والمواد المنتهية صلاحيتها وطرحها في الأسواق غير عابئين بصحة المواطنين وما قد يصيبهم من أمراض. المهم جني المال الحرام.
وانتقلت العدوى من أبناء المسؤولين، إلى أقاربهم ومرافقي أقاربهم الذين قاموا بالاعتداء على كرامات الناس وأعراضهم، ومارسوا أعمال البلطجة والتشبيح وفرض الخوات وأداروا عمليات التهريب والمتاجرة بالأشياء الممنوعة كالدخان والمخدرات والأدوات الكهربائية والمواد المفقودة من الأسواق التي تحتاجها عمليات البناء، وأقاموا الموانئ غير الشرعية وأدخلوا عن طريقها المواد المهربة والممنوعة، تحت سمع الحكومة وبصرها.
5 - ظاهرة التقديس
انتشرت في مداخل المدن السورية وساحاتها وميادينها العامة وحدائقها، تماثيل للرئيس حافظ الأسد بأحجام مختلفة، وغطت جدران الشوارع والدوائر الحكومية والمدارس والجامعات والمؤسسات العامة والخاصة والمحلات التجارية والمطاعم صور للرئيس الأسد، ولافتات كتب عليها: قائدنا إلى الأبد حافظ الأسد - الأب القائد - القائد الخالد - باني سورية الحديثة - بطل التشرينين -سورية الأسد - بالروح بالدم نفديك يا حافظ، وغير ذلك من الكلمات والشعارات. وفي احتفال أقيم بساحة الأوقاف باللاذقية، بمناسبة تجديد انتخاب الرئيس الأسد لولاية جديدة، غنى أحد المطربين:
حلّك يا الله حلّك
تنزل من السما حلّك
يطلع حافظ محلّك
وهناك من ذكر أن الرئيس الأسد كان على علم بذلك ولم يتخذ أي إجراء. بينما ذكر باتريك سيل كاتب سيرة الرئيس حافظ الأسد، أن أحمد اسكندر أحمد وزير الإعلام، هو من اخترع ظاهرة تعظيم الأسد حتى يصرف انتباه السوريين عن التوترات الاقتصادية، وعن العنف بين القوات الحكومية والإخوان المسلمين.
وقد انتقلت هذه الظاهرة إلى باسل الأسد بعد مصرعه فاعتبر ضريحه مزاراً يتوجه إليه موظفو الدولة كباراً وصغاراً، وعمال المؤسسات الرسمية، وطلاب المدارس والجامعات بالزهور والأكاليل، في ذكرى مصرعه كل عام، ووضعت زيارة الضريح في برنامج الوفود التي تزور سورية عربية كانت أو أجنبية.
وقد ساهمت جريدة البعث بصورة كبيرة في تكريس ظاهرة التقديس، وهذا ما يتبين من مراجعة أعداد هذه الجريدة خلال الفترة 1973 - 2000.
ولا نشك في أن الرئيس الأسد كان على علم بهذه الظاهرة، لكنه لم يتخذ أي إجراء لمنعها أو الحد منها .
6 - ظاهرة الرشوة
انتشرت هذه الظاهرة، في عهد البعث بصورة لا مثيل لها، بحيث لا يمكن للمواطن إنجاز أي معاملة، لدى دائرة من دوائر الدولة، من دون دفع رشوة للموظفين .
وصار كل شيء يشترى بالمال وله سعر. للقبول في الكليات الحربية - البرية والبحرية والجوية سعر، وللقبول في معهد الصف الخاص سعر، وللتوظيف سعر، ولأسئلة الامتحانات في الجامعات سعر. و....
يضاف إلى ذلك السرقات التي لم تقف عند حد.
7- ظاهرة الغش
الغش في كل الأمور، في التجارة، في الصناعة، في العقود والمناقصات التي توقعها الدولة مع مقاولين، في الإنشاءات والأبنية، سواء كانت هذه الأبنية مصانع أو مستشفيات أو مدارس أو الطرق والأرصفة، أو ...
وخير مثال على الغش معمل نسيج جبلة الذي كلف الدولة ملايين الليرات، وفي عاصفة صغيرة دُمّر بالكامل. ومرّ الحادث كأن شيئاً لم يكن.
8- هدر المال العام
وبصورة لا مثيل لها على إنشاءات ومهرجانات لم تستفد البلاد منها شيئاً، بل كانت وسيلة للسرقة واغتناء المشرفين عليها، وكذلك ضياع ملايين ملايين الليرات على الدولة، بقروضٍ لمشاريع وهمية، ومدينين وكفلاء وهميين.
9- إشغال البلاد بالكثير الكثير من الأعياد والمؤتمرات والاحتفالات والمهرجانات والندوات التي لم تسفر عن شيء، إلا هدر المال العام والتطبيل والتزمير وإطلاق الشعارات.
10 - المبالغة في توقيف الناس بأمر عرفي، ولمدد طويلة، لأسباب تافهة وصلت أحياناً إلى مجرد مخالفة سير .
11 - الرقابة الشديدة على وسائل الإعلام التي حظر عليها كتابة أية كلمة عن سلبيات الحكم أو فضائح المسؤولين، إلا ما ترى الدولة نشره.
وشملت الرقابة ما يدخل إلى البلاد من صحف ومجلات وكتب، ومصادرة حرية الرأي، وتوقيف الناس واعتقالهم. وكانت أقل كلمة انتقاد تودي بقائلها إلى السجن .
12 - تزوير الانتخابات، والضغط على المرشحين من غير البعثيين، أو المنتمين إلى أحزاب منضوية تحت عباءة الجبهة الوطنية التقدمية، وحملهم على سحب ترشيحهم .
وغير ذلك مما يطول الحديث عنه، ومسؤولية ذلك كله تقع على القيادة القطرية التي لم تحاسب الرفاق الفاسدين، وعلى الوزارات المتتابعة التي لم تحارب هذه الظواهر بحزم ."
